اللقاح بين الحرية الشخصية والضمير الجماعي

اللقاح بين الحرية الشخصية والضمير الجماعي

-أسفي الأن
صحةعين على الفيس بوك
-أسفي الأن6 يناير 2022آخر تحديث : الخميس 6 يناير 2022 - 3:20 مساءً
3 - وفاء صندي ** جميعنا كنا نتمنى ان يكون عام 2022 بداية التعافي من الاثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد- 19 والعودة للحياة الطبيعية. لكن يبدو ان الوباء مصر على البقاء، ومصر أكثر على ارباك حسابات العالم وزيادة معاناته، خاصة مع ظهور متحور اوميكرون سريع الانتشار. ولا حل في الأفق للمواجهة سوى التطعيم.
في وقت تتحدث فيه بعض الدول، منها إسرائيل، عن المرور للجرعة الرابعة، لا تزال دول أخرى، في افريقيا مثلا، لم تنل بعد نصيبها من اللقاح. ودول أخرى لديها مخزون كافي من اللقاح لكنها تواجه رفض مواطنيها للتطعيم اما بصفة نهائية، او رفضهم للجرعة الثالثة، كما هو الحال في المغرب.
يستشهد بعض الرافضين للتطعيم بالنصوص الدينية، والبعض الآخر يستند على نظرية المؤامرة والتشكيك في نجاعة التجارب السريرية، ويدعي الليبراليون الملكية الكاملة لأجسادهم ويحتجون على الانتهاك الذي يمثله واجب التطعيم أو القيود المفروضة على غير المطعمين. ويشكك اخرون في أهمية اللقاحات بشكل عام. ردا على هؤلاء، لم تعد هناك حاجة إلى إثبات فوائد التطعيم: فقد أتاح القضاء على الجدري، وانخفاض بنسبة 99% في حالات شلل الأطفال بين عامي 1988 و2016، وانخفاض كبير في حالات التيتانوس والحصبة والدفتيريا، والسعال الديكي، وغيرهم الكثير. بل على العكس من ذلك، فإن عودة ظهور بعض الأمراض المعدية المميتة يرتبط بانخفاض تغطية التطعيم، الأمر الذي قد يبرر العودة لإلزامية هذه التطعيمات.
هناك صيغتان متعارف عليهما في العالم فيما يتعلق بالتطعيم، هناك التطعيم الإلزامي والتطعيم الموصى به. كان القانون ولا يزال هو الذي يتدخل لجعل التطعيم إلزاميا، وان كان هذا الأمر يتعارض بشكل مباشر مع حرية الضمير، وبشكل أعم مع مسألة الضمانات الأساسية الممنوحة للمواطنين لممارسة حرياتهم العامة. ويستند إلزام التطعيم إلى العديد من النصوص الدولية والوطنية، منها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر لعام 1966، والذي ينص في مادته 12 على أنه من أجل ضمان الحق في الصحة الفردية، يجب على الدول اتخاذ التدابير اللازمة لضمان “الوقاية والعلاج من الأمراض الوبائية”.
الى حدود الان، لم يعتمد العالم بعد الزامية لقاح كوفيد-19 وان كانت الدول تتجه بشكل متزايد نحو فرض قيود على غير الملقحين. واذا كان دافع هؤلاء هو الدفاع عن حرياتهم الشخصية، فيجب التذكير انه مع سرعة انتشار الفيروس في العالم وحصده يوميا المزيد من الأرواح بالإضافة الى انهاك المنظومة الصحية للدول، فإن النقاش لم يعد محصورا فقط في استقلالية الفرد وحريته الشخصية، بل اصبح الموضوع يتعلق بنظام الصحة العامة الذي تضمنه الدولة. فيروس كورونا شئنا ام أبينا يقدم بعدا جماعيا لحرية الضمير، مما يجبر الفرد على تجاوز منطق الذات الى منطق الجماعة. لذلك يجب أن ينظر إلى التطعيم على أنه إجراء وقائي فردي وجماعي. ويدعونا إلى التفكير في مسألة ما إذا كنا نمتلك حق التحرر منه.
صحيح، تفترض الحرية مسبقا غياب الإكراه، لكن لا توجد حرية فردية بالمطلق. حدود حريتنا تنتهي عند المساس بحرية الآخرين. اذا كنا مستعدين للمخاطرة بحياتنا لأسباب شخصية مقبولة، فإن الحق الذي نمنح انفسنا القيام به سيكون نسبيا إذا كانت ممارسته تهدد صحة الآخرين أو حتى حياتهم. من هنا سيكون من غير المنطقي عدم التطعيم، باستثناء حالات طبية معينة.
صحيح، أيضا، أننا نفتقر لتقييم جميع عواقب اللقاح، خاصة ان الوصول إليه لم يأخذ الوقت الكافي والتجارب السريرية الوافية. ولا يمكننا استبعاد الآثار الجانبية طويلة المدى، حتى لو طمأنتنا الغالبية العظمى من الهيئات الطبية في جميع أنحاء العالم بشأن هذا الأمر. لكن نعلم الآن، على الأقل، أن اللقاح، صحيح، لا يمنع الإصابة بالفيروس، لكنه يخفف من تأثيرها بشكل كبير، وينقذ الكثير من الأرواح خاصة في صفوف كبار السن. وإذا كنا سنقف امام الاختيار بين شر واضح وفتاك (الفيروس)، وشر محتمل لم يتم إثباته بعد، وربما لن يثبت ابدا (اللقاح)، فالأولى تجنب الشر الأول باختيار اخذ التطعيم.
الخلاصة، التطعيم مفيد وربما يكون ضروريا، وان كان ذلك من وجهة نظر أخلاقية ومسؤولة تجاه المجتمع الذي نعيش فيه. وفي الحالة التي نعيشها اليوم يبقى هو خلاصنا الوحيد لنجد مرة أخرى طريقنا للحياة بشكل طبيعي.
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة