

في إحدى الليالي الممطرة ، ذهبت عند ” با المختار ” و كعادتي ناديت عليه قبل وصولي إلى ” البراكة ” بامتار قليلة لأني أخاف كلابه اليقظة ، استقبلني قائلا ( مبارك هاد الكرامة ، خير الله هذا تبارك الله ) ، لأجد “با المختار ” قد تناول عشاءه ( ومشحر واحد البراد ديال اتاي بالشيبة وطالق الراديو كيسمع لأغنية أم كلثوم ” يا مسهرني ” ) جلست في مكاني كالمعتاد بعيدا عن الباب خوفا من كلابه ، ناولني كأسا مشبشبا كنت في حاجة إليه ، وبدأ يحكي عن معاناة ظروف عمله في الأيام الممطرة ، فإذا با لأغنية انتهت ، فتوقف عن كلامه مشيرا بيده أمام وجهي معلنا عن السكوت ليعرف ما سيأتي بعد الأغنية ، لقد أعلنوا عن بث برنامج يتعلق بجرائم السرقة مباشرة بعد أغنية فريد الأطرش ( فوق غصنك يا ليمونة ) ، فمدد يده صوب المذياع وخفض من الصوت ووضع يده على رأسه، وقال لي هاد البرنامج ديال السرقة اللي غادي يبثه فكرني في واحد القصة وقعت في عائلتنا، سأرويها لك قبل بداية البرنامج .
كانت الأرملة ” مي فاظمة” وحفيدتها ” زينب ” ذات السبع سنوات من عمرها يعيشان في منزل واحد بمدينة آسفي ، وكان ل ” مي فاظمة ” إبن يبلغ من العمر 32 سنة إسمه خالد يعمل كمسؤول بإحدى الشركات بالجرف الأصفر بمدينة الجديدة ، وكان معتادا على زيارتها كل مرة في نهاية الأسبوع ليطمئن عليها لأنها تعاني من مرض في الجهاز الهضمي ، كما لها بنت مطلقة إسمها شامة أم حفيدتها زينب تعمل كموظفة بإحدى الوكالات السياحية بمدينة الصويرة ، وقبل إجراء “مي فاظمة ” لعملية جراحية بيومين ، حل ضيفا عليها إبن أختها ” توفيق ” ليقيم عندها يومين ريثما ينهي أموره وشؤونه الإدارية مدعيا أنه على وشك السفر إلى الديار الإيطالية ، توفيق البالغ من العمر 28 سنة هو الإبن الوحيد لشقيقتها ، استقبلته بكل ترحاب وفرحت له كثيرا بعد سماعها لسفره إلى الخارج ، و أدلته على غرفة نومه ليضع حقيبته هناك ، وفي المساء عاد توفيق إلى البيت ودخل إلى الصالون وشغل التلفاز لمتابعة مقابلة في كرة القدم وخالته” مي فاظمة” منهمكة في المطبخ لتحضير العشاء ، وفور انتهاء المقابلة ، نودي عليه للأكل فاستجاب للنداء وقام مسرعا لغرفة الضيوف ليجد زينب” ومي فاظمة ” في انتظاره ، وبعد تناولهم العشاء وانتهاء الحديث عن العملية الجراحية التي ستجريها ، طلبت الجدة من حفيدتها بأن تاتيها الملف الطبي لأنها في الغد على موعد مع المختبر لإجراء بعض الفحوصات الطبية والتحليلات، وبمجرد أن رأى المبلغ المالي ( مليونين ) المخصصة لإجراء العملية ومصاريفها ، أصيب بالذهول وتقلب مزاجه ليتحول في داخله من ضيف كريم إلى سارق مارد ، وبعد شرود طويل بدأ يداعب زينب بيديه ويتسلى معها لكي لا تشك” مي فاظمة ” في نواياه ، محدثا إياها عن سفره مساء الغد إلى مدينة أكادير ، وذلك قصد تمويهها ، وبعد إتمامها وضعت الملف الطبي فوق المائدة والمبلغ المالي في الدولاب نصب أعينه ، الشيء الذي جعل توفيق يخطط لسرقة المال بعدما أن سمع” مي فاظمة ” أن قالت غدا إن شاء الله سأحضر لكما الفطور أنت وزينب بكرة لأني على موعد مع مختبر التحليلات صباحا علما أنه لا يعمل مساء السبت ، وفي الصباح الباكر استيقظت” مي فاظمة ” وحضرت لهما الفطور وخرجت قاصدة المختبر ، وقبل خروجها كان توفيق يراقب كل حركاتها إلى أن همت بالخروج ، وتأكد من المبلغ المالي أنه ما زال في الدولاب ينتظره ، فقام مسرعا يتسلل نحو الدولاب ليفتحه ويضع يده على المال وهو لا يعلم بأن زينيب قد رأته دون أن تقوم بأدنى حركة ، فجمع حقيبته ونقود خالته وتسلل بهدوء واتجه نحو الباب فارا صوب المحطة الطرقية ، وبعد إجراءها للفحوصات الطبية والتحاليل عادت ” مي فاظمة ” لتجد زينب في حالة هستيرية وهي تبكي ( راه توفيق سرق لك فلوس الطبيب ) فبعد ما أن تأكدت من سرقة المبلغ المالي إتصلت بإبنها ” خالد” وإبنتها ” شامة” و أختها والدة توفيق ( اللص المسعور) لتبلغهم بما قام به ، كما أخبرتهم أنه ذاهب إلى مدينة أكادير حسب قوله ، فحاول إبنها خالد مساء اليوم جاهدا للمجيء لآسفي ، لكن تعذر عليه نظرا لظروف انشغالاته في العمل كمسؤول ، وبعد صلاة العشاء ركب خالد سيارته متجها نحو مدينة آسفي وبحوزته شيكا بنكيا يحتوي على مليونين لإجراء العملية لوالدته ، وقبل مغادرته لمدينة الجديدة ، وكعادته دخل إحدى المطاعم التي ألف فيها تناول وجبات طعامه ، قصد النادل وهو يعرفه كزبون رسمي ، و قال له (كيف العادة )
وجلس في المكان الذي تعود الجلوس فيه ، وأخرج هاتفه النقال وشغله ريثما يتم تحضير العشاء ، فإذ به يسمع صوتا لا تخفى عليه نبراته يتكلم في الهاتف ، فقام واقفا نحو نافذة وألقى نظرة خفيفة تجاه مصدر الصوت ليجد توفيق إبن خالته ( اللص المسعور ) جالسا على مائدة فيها ما أحلى وما ألذ من الطعام ، فامتلك نفسه وهدأ أعصابه واستخدم ذكاءه وذهب مباشرة عند صاحب المطعم ليبلغ عنه الشرطة ، وفي ظرف وجيز كانت عناصر الأمن حاضرة وجاهزة للانقضاض عليه تقدم إليهم خالد بشجاعة وحكى لهم القصة باختصار شديد وادلهم على مكان جلوسه بصفته ونعته ، لتتم محاصرته ويلقى القبض عليه ، وبعد استنطاقه من طرف الشرطة اعترف توفيق بالمنسوب إليه وبحوزته ما تبقى من المبلغ المالي المسروق مقرا بأنه كان ينوي السفر إلى الدار البيضاء مموها ” مي فاظمة خالته ” بالسفر إلى مدينة أكادير لمغالطة وجهة قبلته ، وبعد انتهاء البحت والتحقيق معه قال أحد الضباط لخالد يمكن لك الآن الذهاب ، وهوسيحال ملفه على الشرطة القضائية بآسفي لتتبع مجريات قضيته ، فخرج خالد من مركز الشرطة وهو في غاية الفرح والسرور، ثم اتصل بوالدته هاتفيا ، فوجدها تنتظره هي واخته شامة المطلقة وخالته أم توفيق ” اللص المسعور ” ، واخبرهم بما حدث بالتفصيل ليستودعهم في أمان الله على أمل وصوله لزيارتهم ، فاستعادت “مي فاظمة ” ما تبقى من مالها وأجرت العملية الجراحية وكللت بالنجاح ، في حين حكم على توفيق ” اللص المسعور ” بستة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية رغم تنازل “مي فاظمة ” عن الدعوة
كمال لوطفي اسفي
المصدر : https://www.safinow.com/?p=21712
عذراً التعليقات مغلقة