أيها الأصدقاء هل حان وقت الرحيل …؟

أيها الأصدقاء هل حان وقت الرحيل …؟

-أسفي الأن
اراء بلاقيود
-أسفي الأن10 مايو 2024آخر تحديث : الجمعة 10 مايو 2024 - 2:40 مساءً
أيها الأصدقاء هل حان وقت الرحيل …؟
555 - بقلم عبد الهادي احميمو ** نحن لا نملك أن نكتب أقدارنا ولكننا نملك أن نرضى بها، لا نملك أن نختار أوطاننا ولكن نملك أن نختار البقاء بها أو الرحيل، لا نملك اختيار آبائنا وأمهاتِنا و أصدقائنا ولكن نملك خيار أن نحبهم أو لا نحبهم أن نبقى معهم أو نغادرهم ، وأن نسأل عنهم أو لا نسأل ، خياراتنا دائماً محصورة في أمور محددة أمور نود لو لم نُخيّر فيها، ولكن الحياة علمتني شيء أنه عندما يستحيل البقاء احزم أمتعتك وارحل فالمكان لم يعد مناسباً والزمان هنا لن يسير على هواك، وأي هوى هذا الذي أقصى طموحاته في ابتسامة محاها صوت المدفع ذات مساء.

أيها الأصدقاء و الزملاء جاء الصباح الذي لا يشبه صباحكم، أتعلمون الشمس تشرق لكن ليست كما تشرق لديكم، حتى صياح الديك عند آذان الفجر لم يعد يشبه صياح ديكِكُم كان صوته مخنوق لا أعلم إن اختنق من الحزن أم من رائحةِ الغدر، صليت في يومي أكثر مما تصلون فأنا أصلي في اليوم خمس صلوات، لا تتعجبوا لست شيخاً لي نوافل كثيرة أنا مثلكم أصلي خمس صلوات ولكن الموت جعل لنا صلاة إضافيةً لا ننفك ننتهي من الصلاة حتى نُصلي من جديد، أظنني اقتربت من ربي أكثر في هذه الصلوات أجل! فأنا أصلي وأنا أبكي أحس بخشوع لم أعتد عليه حتى في الفروض.

كانت شوارعنا مثل شوارعكم تعج بالأطفال الذين يلعبون ويطلقون ضحكاتِهِم في كل مكان وتجد الباعةُ المتجولون وحتى النساء الباسِمات الراضِيات بأقل لقمةٍ للعيش يكافِحن من أجل أطفالِهِنّ والرجال يخرجون من الصباح ويعودون في المساء ليحتضِنوا أطفالهم أتعلمون؟ أجل أنتم تعلمون! هذا كله يشبه حياتكم يشبه ما لديكم وكأنني معكم وأحكي تفاصيل يومِكُم، ولكن حيث أنا لم يعد هذا موجوداً اختفت ضحكات الأطفال وابتسامات النساء وغاب الرجال والباعةُ المتجولون وذهبوا ليدافِعوا عن الشرف و أي شرف هدا في زمن غاب فيه الرجال!

 

هل تدافِعون حقاً عن الوطن؟ أتدافعون من أجل قطعةِ أرض لمصلحتكم الخاصة ! لا أظن أنكم تفعلون هذا من أجل قطعة أرض هم يفعلون ذلك لما على هذه الأرض، هم يدافِعون عن الذكريات الجميلة عن الأيام الخوالي التي لا يمحها سوى مرور الزمن يدافعون عن حق أولادهِم في أن تكون لهم ذكريات على هذه الأرض، هم يدافعون عن أحبائهِم الذين دفنوا على هذه الأرض، فأوطاننا الحقيقيةُ حيث من نُحب حيث ذكرياتِنا المعطرةِ بأريج الزمان تلك الذكريات التي لثمها الياسمين وظلّها الزيتون.

حملتُ حقيبتي ونويت أن أدافع عنه وعن حقي فيه فأنا كغيري لي ذكرياتي التي أريد حمايتها لي أحبائي الذين أود الدِفاع عنهُم، ساحات العمل أسهل شيء فيها هو الموت وأرخص شيء فيها هي الأرواح، تتساقط الموتى كل يوم ويرحل زيد و عمر وكم هي الوجوه الطيبة التي غادرتنا ولم تبقى إلا ذكرياتهم . كما تتساقط المطر فوق رؤوسِنا، مات الجميع وعدتُ أجرُ حالي ، كنتُ أُردد كمن يهزي من الحُمة: ” ضاع الوطن  والصدق بين الأصدقاء والزملاء ومحيت الذكريات مع العديد منهم ، ضاعت الصداقة ومُحيت الذكريات والكل يعلم الخدمات التي قدمتها ولا زلت أقدمها للعديد من الزملاء حتى اليوم “، عدتُ إلى بيتي حيث أسرتي أما  أمي وأبي و إخواني رحمة الله عليهم ، بعد كل ما رأيت كنت في حاجةٍ ماسةٍ إلى حضنٍ دافئ أخبئ فيه رأسي وأبكي بحرقة ، عدتُ ولم أجد شيئاً سوى التراب سألتهُم أين أمي وأبي أين إخوتي و أين الأصدقاء الأحرار، قالوا لي لا تجزع أيها الشهم قم للصلاة وهيا نُصلي عيهِما لطالما صليت معنا الآن هُما أحق شخص بصلاتك، دفعتُهم وقلت لهم لن أصلي لقد صليت على غدر الأصدقاء ولكِنهُما لم يموتا بعد!

تركوني وذهبوا يصلوا وأنا لم ولن أصلي وكيف أصلي على من مازال حياً، تهدّم بيتي إلّا ذاك الجدار اقتربت منهم بحزر وأنا أجرجر قدمَيّ نحوهم كان عليه صورتان معلقتان !، مازال الجدار صامداً يحمِلُهُما كانتا صورتي أمي وأبي و إخوتي ! أمي اسمُها “ذكريات” وأبي اسمه “وطن” و إخوتي إسمهم الحنان والصدق والكلام الموزون كان أبي سعيداً جداً وأنا في سن السابعة من عمري ومستبشراً يوم ولادتي وقد سماني “عبد الهادي” أخذتُ صورتيهِما من على الجِدار وحزمتُ حقائبي وعزمتُ الرحيل عن هذه المدينة حيث لم يبق لي شيء سوى أنني أمنت لأبنائي قبر الحياة .

حاولتُ أن ى ألتفِت و حاولت حتى أن أسترجع الذكريات علها تحثُني على البقاء ولكِنها لم تكن هناك، لم يكن هناك شيء سوى الرحيل أمسك بيدي وكأنني طفل صغير جرت دموعه على خديه فهو يريد البقاء، عندها قال لي: “حان وقت الرحيل”لأن الغدر والكدب والنفاق والحقد والطمع أصبح شغل يومي لمجموعة من كنا نعتبرهم إخوة وأصدقاء وزملاء .

نحن لم نختر الوحدة ولكِنها اختارتنا، لم نختر الحزن ولكنه غار من ابتِسامات ثغورنا، حمل الأمل حقائبه وغادر إلى بلادٍ بعيدة ، وجئنا نزوره فَمُنِعْنَا، هو لم تكن لديه تأشيرةُ مرورٍ ولا جواز سفر، هو أيضاً ليس لديه وطن، سألته ذات مرة أين هو موطِنُك فنحن البشر نعتز بأوطانِنا، ابتسم وقال لي في حين أنا أستوطن القلوب الصادقة وما إن تضيق علىّ أرحل.

حاولتُ أن ألتفِت حاولت حتى أن أسترجع الذكريات علها تحثُني على البقاء ولكِنها لم تكن هناك، لم يكن هناك شيء سوى الرحيل أمسك بيدي وكأنني طفل صغير جرت دموعه على خديه فهو يريد البقاء، عندها قال لي: “حان وقت الرحيل” أخبرته أنني سأرجع أخبرتهُ أنّ الأطفال حين يولدون تقطع حبالهم السرية من أمهاتِهم كي توصل بأوطانِهم، أخبرته عنها وعنه أخبرته بكل شيء، ولكنه لم يستمع لي لم يلتفت حتى ليرى ما بي، رحلت ولكِنني كنت أطل عليها كل يومٍ من بعيد ألوح لها بيدي وأخبرها أني سأعود فأراها تبتسم لي منكسرةً وتهمس “حتماً ستعود”.

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة