
ورغم مرور القرون وتقلبات التاريخ، تظل صومعة المسجد الأعظم الشقيقة المنسية، والناجية الوحيدة في حاضرة المحيط، التي قاومت الاحتلال، والطمس، والنسيان.
جراح التاريخ: من مسجد إلى برج أجراس
تعرض المسجد الأعظم لدمار جزئي خلال فترة الاحتلال البرتغالي لآسفي، وتم هدمه بشكل شبه كلي، باستثناء الصومعة، التي حولها البرتغاليون إلى برج أجراس لكنيستهم. ولإضفاء الطابع المسيحي عليها، وضعوا جرسًا في قمتها، مما أفرغها من رمزيتها الإسلامية. ومع ذلك، ظلت الصومعة واقفة، حاملة شموخ المعمار الموحدي، بتناسقها الهندسي، ومتانة بنائها، وزخرفتها المتناغمة مع الطبيعة والضوء.
محاولات رد الاعتبار… والخيبة المتجددة
في 3 فبراير 2016، وبمبادرة مدنية متميزة قادتها جمعية شباب وتعاون للأوراش الدولية، وبالتنسيق مع المفتشية الجهوية للمباني التاريخية والمواقع، تم تقييد صومعة المسجد الأعظم تراثًا وطنيًا لأول مرة منذ عهد الحماية الفرنسية. كان هذا التقييد خطوة رمزية قوية نحو حماية هذا المعلم من النسيان والتخريب.
لكن وبعد عشر سنوات من الإغلاق والإهمال، استبشر الناس خيرًا بانطلاق ورش الترميم سنة 2024. غير أن المأساة بدأت من جديد، إذ ظهرت مظاهر عشوائية واستهتار واضح بأصول الترميم الأثري:
• لم تُراعَ مبادئ وأصول العمارة الموحدية.
• غابت الزخارف الحجرية التقليدية في الجزء العلوي من الصومعة (العَزري)، الذي أعيد بناؤه زمن الاستعمار دون احترام النمط الأصلي.
• لم يتم استعمال المواد التقليدية (الحجر المنحوت، الجير، الطين…)، بل استُخدمت مواد حديثة تُشوّه الهوية المعمارية للمكان.
• الأشغال القائمة اليوم تُظهر تنافرًا بصريًا صارخًا مع المشهدية الجمالية للمدينة العتيقة.
خرق قانوني ومعماري واضح
إن ما يجري اليوم داخل هذا الورش لا يراعي القوانين الوطنية لحماية التراث، وعلى رأسها الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 22.80، الذي يُلزم بإشراك خبراء في الترميم، وإجراء دراسات تقنية وأثرية قبل أي تدخل. وكل مخالفة لهذه القوانين تُعد انتهاكًا صريحًا لحرمة معلم مصنف، مما يفتح الباب للمساءلة القانونية.
الرهان الحقيقي: ترميم الذاكرة وليس الحجر فقط
صومعة المسجد الأعظم ليست مجرد بناء حجري. إنها ذاكرة مدينة وهوية أمة. إن ترميمها يجب أن يكون فعل وفاء حضاريًا، لا مشروعًا مقاولاتيًا. المطلوب اليوم هو:
1. إيقاف الأشغال الحالية وتقييم مدى احترامها للمعايير التراثية.
2. مراجعة دفتر التحملات بإشراف وزارة الثقافة وخبراء في العمارة الموحدية.
3. إشراك المجتمع المدني المحلي في تتبع المشروع.
4. إعادة الاعتبار للهندسة الأصلية من خلال تكسية الجزء العلوي بزخرفة موحدية أصيلة، تعيد للصومعة كرامتها التاريخية.
خاتمة: لا تقتلوا الرمز
بين الكتبية والخيرالدا، ظلت صومعة آسفي صامدة، ترفض أن تُمحى من ذاكرة البحر والناس. واليوم، باسم “الترميم”، تُمارس عليها عملية طمس جديدة، لا تقل قسوة عن الاحتلال القديم. إننا نُهيب بالمسؤولين والفاعلين والمؤرخين أن يحموا هذه الجوهرة المتبقية من روح الموحدين، وأن يوقفوا هذا الخطأ المعماري والإنساني قبل فوات الأوان.
روح المكان
المصدر : https://www.safinow.com/?p=21600
عذراً التعليقات مغلقة