✍️: عبدالله الفادي *** تحل ذكرى وفاة الإطار الوطني مصطفى مديح، الرجل الذي بصم الكرة المغربية بحضوره الوازن وإنجازاته المتميزة، سواء مع الأندية الوطنية أو المنتخبات، فقد رحل عن عالمنا في الرابع من نونبر سنة 2018 بعد صراع مع المرض، تاركًا خلفه مسارًا غنياً بالإنجازات.ولد مصطفى مديح في الأول من يناير 1956 بمدينة الدار البيضاء، وتكون في المعهد الملكي البلجيكي لتكوين الأطر، ما منحه تكوينًا عاليا ساعده في صقل تجربته الكروية، ومنذ بداياته، عرف بالانضباط والعمل الجاد، داخل كل الأندية الوطنية التي عمل داخلها منها النسمة البيضاوية، رجاء بني ملال، رجاء أكادير، الرشاد البرنوصي، أولمبيك آسفي، شباب المسيرة، أولمبيك خريبكة، الجيش الملكي، حسنية أكادير وشباب الحسيمة، إلى جانب تجربة خارجية مع الوكرة القطري، وتجربة بالبطولة الليبية مع المرج.
على صعيد المنتخبات، حمل الراحل شرف تدريب المنتخب الوطني الأول سنة 2001، ثم المنتخب الفرنكفوني الذي قاده إلى التتويج بالميدالية الذهبية في كندا خلال نفس السنة، كما تولى تدريب المنتخب الأولمبي وشارك معه في أولمبياد أثينا 2004، قبل أن يعود سنة 2015 إلى الإدارة التقنية الوطنية ليشرف على فئة أقل من 17 سنة، ثم أقل من 20 سنة، وكان آخر ظهور له في دوري ألكوديا بإسبانيا صيف 2018.
أما على مستوى الألقاب، فقد كتب مصطفى مديح اسمه بحروف من ذهب، حيث قاد أولمبيك خريبكة إلى تحقيق لقب كأس العرش موسم 2005-2006 ولقب البطولة الوطنية موسم 2006-2007، قبل أن يكرر النجاح مع الجيش الملكي بفوزه بلقبي كأس العرش والبطولة الوطنية موسم 2007-2008.
اسم مصطفى مديح سيبقى على الخصوص، محفورًا في تاريخ أولمبيك خريبكة كرمز للتألق والتحول الحقيقي، فقد جاء إلى الفريق الفوسفاطي في مرحلة كانت تتسم بالضعف، بعد أن كاد أن يغادر قسم الكبار موسمًا قبل ذلك، وبخبرته الكبيرة وعقلية الاحتراف، تمكن من إعادة التوازن للنادي ومنح اللاعبين رؤية واضحة نحو المنافسة على الألقاب، بدل الاكتفاء باللعب لمجرد اللعب والتنشيط.
من اللحظة الأولى، صرح مديح أمام لاعبيه بأنه جاء لخريبكة من أجل الجانب المادي، كما هو شأنهم، لكن لتحقيق ذلك يجب تبليل القميص بالعرق، وإخراج ock من واقعه، وطلب بوضوح من اللاعبين إما مساعدته في تحقيق ذلك، أو المغادرة لمن لا يستطيع السير في هذا الطريق، هذه الصراحة والشفافية أسست لثقافة عمل جديدة داخل النادي، وجعلت القافلة تنطلق.
تميزت مرحلة مديح مع أولمبيك خريبكة بالنجاحات المتتالية، إذ استطاع قيادة الفريق مع جيل من المواهب القادمة من مدرسة الفريق، لتحقيق توازن داخلي، وإعادة هيبة النادي على المستويين الوطني والعربي وكذلك القاري، كما نجح في تغيير العقلية من التركيز على المشاركة فقط إلى السعي للفوز بالألقاب، وهو ما تجسد في تحقيق كأس العرش والبطولة الوطنية وصناعة فريق قوي.
و من أبرز ما يميز مديح شخصيته الواقعية والمهنية، وحبه الكبير للوفاء والنجاح، حيث فضل الاستقرار والالتزام مع الأولمبيك على الإغراءات المالية عندما تلقى عروضًا مغرية من فرق بالخليج العربي، وكان لمصداقيته وشخصيته القوية الأثر الأكبر في كسب احترام جماهير خريبكة، التي اعتبرته معشوقها، كما أن تواضعه الشديد جعله يعتبر إنجازاته أمراً طبيعياً، وهو الذي فضل دائمًا العمل على النتائج، على أي شهرة شخصية، ورغم رحيله في المرة الأولى لأسباب منطقية، عاد بشغف لمواصلة المشوار، متمسكًا بمهمته في بناء فريق قادر على المنافسة وتحقيق الألقاب، ودون أي مبالغة، تعتبر حقبة هذا الرجل واحدة من أنجح مراحل لوصيكا، و نقطة التحول الحقيقية في تاريخ أولمبيك خريبكة.
قبل فوز بالكأس والبطولة، سألت رئيس الفريق حينها أحمد شاربي في حوار ما زلت احتفظ به، عن مديح، فوصفه بالعصامي الذي يعرف قيمة الأشياء، وبأنه قادر على تحقيق الألقاب، وبرجل الفعل قبل الكلام، ورمز الالتزام والوفاء الذي يجب أن يستفيد منه كل من يسعى لتطوير الكرة المغربية.
رحل مصطفى مديح، لكنه ترك إرثًا طيبا في ذاكرة كرة القدم الوطنية، بفضل جديته في العمل وقدرته على صناعة الفارق حيثما حل وارتحل، وفي ذكرى وفاته، يتجدد الحنين إلى هذا الرجل ، الذي يعتبر نموذجًا للإطار الوطني الذي اشتغل بإخلاص وتفانٍ حتى آخر لحظة من حياته.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=22397





عذراً التعليقات مغلقة