
وفي السياق ذاته فإن الخطير في الأمر أن هذه الفوضى لا تحدث في أماكن نائية أو معزولة، بل في قلب الأحياء السكنية، أمام مرأى ومسمع الجميع. المواطنون باتوا يخشون مغادرة منازلهم بعد غروب الشمس، تفاديا للاحتكاك مع شباب منحرفين ومتسكعين يمارسون التنمر على المارة، ويتلفظون بكلام نابي ومهين دون أي خوف من المتابعة أو العقاب. حتى الأسر لم تسلم من هذه الأجواء فالأمهات والآباء يعيشون قلقا دائمًا على أطفالهم وشبابهم، لا سيما في غياب أي حضور أمني فعلي يُعيد الشعور بالأمان.
وفي السياق نفسه وما يزيد الطين بلة هو ردود فعل بعض عناصر الدرك حين يطلب منهم التدخل. ففي شهادة مؤلمة توصلنا بها من أحد سكان المدينة قال:”كنت راجعا للمنزل ليلا وعند مروري قرب مقهى، صادفت أربعة أشخاص من ذوي السوابق يجلسون هناك بعد تجاوزي لهم بدأت أسمعهم يتنمرون علي بكلام فاحش وغير أخلاقي. قمت على الفور بالاتصال بعناصر الدرك الملكي للإبلاغ لكنني صدمت حين خاطبني أحدهم باستهزاء قائلا ‘وسير دير شكاية، أشنو بغيتي ندير ليك؟ ثم أنهى المكالمة في وجهي دون أي اعتبار لما عشته.” حيث تعكس هذه الحادثة أزمة أعمق من مجرد تقصير في الواجب بل تكشف عن غياب خطير في الحس بالمسؤولية والتواصل مع المواطنين كما تؤجج الإحساس بالخذلان وانعدام الثقة.
وفي الوقت الذي تعج فيه الأزقة بشباب مخمورين يتبادلون الشتائم ويحولون الشوارع إلى مساحات للضجيج والعربدة، تتحول المدينة مع كل غروب شمس إلى فضاء خارج سلطة الدولة سباقات الدراجات النارية لا تتوقف، تتحدى الأرواح والنظام معا أما الجهات الأمنية فإما أنها لا تسمع أو لا تريد أن تتحرك. أما بالنسبة للسكان فهم يشعرون أن مدينتهم تترك لمصيرها أصواتهم لا تصل ونداءاتهم لا تجد آذانا صاغية ووسط هذا المشهد العبثي، يتساءل الجميع: هل مدينة الشماعية فعلا داخل حدود السيادة؟ أم أنها تحولت إلى منطقة رمادية لا سلطة فيها إلا للفوضى؟
وللإشارة فإن ما يحدث اليوم في مدينة الشماعية هو أكثر من تقصير، بل هي أزمة حقيقية تحتاج إلى تدخل عاجل وشجاع من الجهات المعنية. فاستمرار هذا الوضع لن يؤدي إلا إلى مزيد من التطبيع مع الجريمة، وإلى انهيار كامل للثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=21746
عذراً التعليقات مغلقة