
جاء تنظيم هذه الدورة القرآنية تخليدًا لذكرى تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه، ووفاءً لروح الفقيه الراحل الحاج عمر لوطار، أحد رموز التعليم العتيق بالمنطقة، والذي خلّف أثرًا تربويًا وروحيًا في أجيال من طلاب القرآن الكريم.
تميزت هذه الدورة، التي عُقدت تحت شعار الآية الكريمة:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ (الإسراء: 9)،
بأجواء روحانية خاشعة، تخللتها قراءات جماعية من كتاب الله، ومسيرة قرآنية مهيبة شارك فيها أزيد من 500 طالب وطالبة يمثلون مدارس قرآنية متعددة من إقليم الصويرة، كمدرسة سيدي غانم، وأبي البركات العبدري، وسيدي محمد أو عبد الله، وغيرها.

وقد أضفى هذا الزخم العلمي والروحي على الملتقى طابعًا خاصًا، مزج بين البُعد التربوي الديني، والمظهر الاحتفالي التراثي، كما تجلى في عرض فني راقٍ لفن الفروسية التقليدية (التبوريدة)، ما يعكس التكامل بين القيم الدينية والموروث الثقافي المغربي.
ضمن محطات الملتقى، نُظمت ندوة علمية وُصفت بالهامة، تمحورت حول موضوع:
“البيعة الشرعية وأثرها في جمع شمل الأمة المغربية”،
وذلك في أفق تأصيل المفهوم الشرعي والدستوري لـإمارة المؤمنين، باعتبارها ركيزة للتماسك الوطني، ومصدرًا للشرعية الدينية والسياسية.
وقد شهدت الندوة مداخلات علمية لكل من:
الأستاذ أحمد موافق: الذي بيّن كيف تُشكّل إمارة المؤمنين صمام أمان للوحدة الروحية والمذهبية بالمغرب.
ويمكن القول إن هذه الندوة ساهمت في إغناء النقاش العمومي حول الثوابت الدينية للمملكة، وربطتها بسياق معاصر يُراهن على المواطنة العقدية، لا فقط السياسية.
أبرز ما ميّز هذا الملتقى، إضافة إلى أبعاده الروحية والعلمية، هو دوره التربوي في دعم الناشئة، وتشجيعها على الارتباط بالقرآن الكريم، من خلال برامج تحفيزية ومسابقات وأنشطة جماعية، تعزز فيهم قيم الاعتزاز بالدين والوطن.
ففي سياق عالمي يطغى عليه التفكك القيمي، والاضطراب الهوياتي، تُعد مثل هذه المبادرات أدوات ناجعة لـتحصين الشباب من التطرف والتشدد، عبر ترسيخ ثقافة الوسطية والاعتدال، التي تشكل سِمة التدين المغربي منذ قرون.

ساهم في تأمين هذا الحدث رجال الدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية، مما ساعد على ضمان السير السليم للفعاليات، ووفّر أجواءً آمنة للضيوف والمشاركين، وهو ما يعكس أهمية البعد المؤسسي في نجاح مثل هذه التظاهرات الدينية.
في المحصلة، فإن الملتقى القرآني الثاني بجماعة أوناغة لا يُعدّ فقط مناسبة موسمية للذكر والتلاوة، بل هو مشروع ثقافي وتربوي متكامل، يعكس قدرة المبادرات المحلية على:
تجديد الوعي الديني في إطار الثوابت؛
دمج البعد الوطني في الممارسة الدينية؛
وتفعيل المقومات الرمزية للمواطنة العقدية.
وهو ما يجعل من هذه المبادرة مثالًا حيًا على التوفيق بين الأصالة والحداثة، في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من إمارة المؤمنين نموذجًا فريدًا في تدبير التعدد وضمان الاستقرار.

المصدر : https://www.safinow.com/?p=22071
عذراً التعليقات مغلقة