طفلة تسابق السم من إمندونيت بإقليم شيشاوة إلى مراكش و5مستشفيات والموت واحد!

طفلة تسابق السم من إمندونيت بإقليم شيشاوة إلى مراكش و5مستشفيات والموت واحد!

-أسفي الأن
جهويات
-أسفي الأن2 يوليو 2025آخر تحديث : الأربعاء 2 يوليو 2025 - 7:58 مساءً
b45b90cb ea99 4d55 8908 86860ff13e8e - ✍️مصطفى الآبيض **** في بلادٍ تحمل من الشمس ما يكفي لإشعال الحناجر، ومن الثلوج ما يكفر عن ذنوب الصيف، وفي عمق عمق المغرب، هناك حيث تنجب الجبال أطفالا لا يملكون غير الهواء غذاء، وحجر الوادي وسادة، وقلب الأم وطن، هناك، لسعت أفعى صغيرة طفلة أصغر
طفلة من إمندونيت، قرية منسية نواحي شيشاوة، ولدت في حضن الصخر، وفي منطقة منسية في عالم منسي، فيه مراكز صحية أو مستشفيات لاتحمل من الاسم إلا “شعار” على جدارن مقشرة، لسعتها الأفعى، ولسعنا معها السؤال: كم يساوي الزمن حين يكون السم أسرع من سيارة الإسعاف؟!
ركض بها أهلها إلى أول نقطة طبية، مستوصف السوق الأسبوعي في منطقة “مغوسة”، حيث الأطباء يظهرون فقط مرة يتيمة في أسبوع يتيم ، ويختفون مع آخر كيس دقيق, وهناك، قالوا لهم بصوت عادي كأنهم يصفون حالة الطقس: “الدوا ماكاينش، سيرو لمجاط”، ومن مغوسة إلى مجاط، عبر طريق وعرة لا يسلكها سوى من اشتد به الألم أو ضاق به الأمل، وهناك أيضا كانت الخيبة جاثمة في الردهات، والمصل في خبر كان، قالوا لهم: “سيرو لشيشاوة”
وفي شيشاوة، حيث يرتفع شعار مستشفى محمد السادس عاليا، دخلوا حاملين الطفلة التي بدأ السم يزحف في عروقها الصغيرة، فلم يجدوا إلا الابتسامات الباردة والفراغ القاتم، نفس العبارة تتكرر، نفس الصمت يتردد صداه الساكن في قلوب يملائها الوجع والألم القاتل، نفس الإحالة: “سيرو لمراكش
تخيل أن تسير بخوفك وطفلتك من إمندونيت إلى مغوسة، ساعة من الطرق المنسية، ومن مغوسة إلى مجاط، ساعة ونصف من الاهتزاز بين الحفر والأمل، ثم إلى شيشاوة، أربعون دقيقة من هائما لا تلوي على شيئ ، تسير في اللاجدوى، وأخيرا إلى مراكش، حيث يبدو أن الحضارة تبدأ فقط حين ينتهي جسد الطفلة من المقاومة، أكثر من خمس ساعات من الجري خلف مصل غير موجود او ينتظرون موردين له من القمر، خلف علاج يسمى مجازا “حق الحياة”، خمس ساعات كانت كافية ليفتك السم بجسدها البريء، ولتفتك بنا الحقيقة: أننا نعيش في وطن يبني المستشفيات كمعلمة ساحية نلتقط معها الصور التذكارية، ونقول كلمة في الغباء “أننا حتى نحن لدينا مستشفيات”، لكن ليس للعلاج وإنما لأشياء أخرى
فما معنى أن نحصي مستشفياتنا كأنها إنجازات، لا دواء فيها ولا مصل و لا حياة؟
ما جدوى بنايات بيضاء وسط القرى، تقفل أبوابها في وجه الموجوعين وتفتح فقط أمام لجان التفتيش؟
ما الفائدة من طبيب إن لم يكن هناك دواء؟
ومن ميزانية إن لم تحقن بها أجساد الأطفال؟
الطفلة المسكينة لم تكن ضحية أفعى فقط، بل ضحية نظام صحي متهالك، ضحية كذبة مزمنة اسمها “الرعاية الصحية”، وضحية أمة تبني المستشفيات كالنصب التذكارية، لتخليد الغياب
من الأفضل أن تغلقوا هذه المراكز، أن ترفعوا الراية البيضاء، وتعلنوا فشلكم أمام الناس، فذلك أشرف من أن تتركوا أطفال القرى والمداشر والدواوير والجبال” كأنهم ليسوا مغاربة ،يموتون وهم يتنقلون بين مستشفى وآخر، ينتظرون حياة أتت ميتة في الأصل
أيها السادة، لا تلوموا الأفعى، فالأفعى على الأقل تفعل ما فُطرت عليه، لوموا أنفسكم، أنتم من لدغتمونا ألف مرة، ولا زلتم
فلوس المهرجانات؟
آه موجودة.. وبسخاء!
تضخ من جيب المواطن الذي يموت كمدا وحسرة في طوابيرلاتنتهي في مستعجلات رتيبة، وتصرف ببذخ على منصات مزينة بالأضواء، بينما قرى بأكملها تغرق في العتمة والسم، مئات من الملايير “الممليرة” تصرف على مهرجانات من شاكلة موازين وغيرها، باسم الفن والانفتاح، في بلد لم ينفتح بعد على حق العلاج.
بلد يقنع الفقراء بالتصفيق للنجوم فوق الخشبة، بينما أطفالهم ينقلون في سيارات مهترئة بحثا عن مصل مفقود، وكأننا في فيلم كوميدي باللون الأسود
الشعب يموت “عرقًا بعرق”، بينما الميزانيات تنزف من أجل استضافة مغني عالمي مقابل ما يكفي لبناء عشر وحدات صحية في الجبال،
أين الأولويات هنا؟
أين العقل؟
من المسؤول عن هذه المقايضة القاتلة بين الحياة والفرجة؟
لماذا نرقص على أنغام الموسيقى، وقلوبنا تنزف من وجع الإهمال؟
لماذا نُصفّق للفرق الراقصة من الخارج، ونصمت عن عجز مراكزنا الصحية حتى عن توفير مصل ضد لدغة أفعى؟
فلوس المهرجانات موجودة، نعم، لأنها تنفق حيث لا يوجع، حيث لا يصرخ الناس، حيث الكاميرات تلمع والميكروفونات تغني.. أما في إمندونيت، ومجاط، وشيشاوة، ومئات القرى..
فهناك فقط من يكفن في صمت، ويدفن في صمت ،تحت عنوان: “ماكاينش المصل، الله يرحم(ها)..!
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة