
ليس أي بلغة”و بلغ____اة نيت ” بلغة بحجم خرافي، لون صارخ، وتطريزات تصلح أن تُدرّس في كليات الفنون الزخرفية! صورةٌ لم يتوقعها أحد لمسؤولين رسميين وهم يتأملون هذا “الفتح العظيم” أو المبين بجدية تامة ولكن كاريكاتورية، كأنهم يقفون أمام مركبة فضائية هبطت لتوها من المريخ.
في وطنٍ تعاني فيه الأسر من أسعار الكراء الخيالية، والبطالة تُحاصر الشباب من كل الجهات، ويغيب الأمل في مستشفى لائق أو تعليم مجاني حقيقي، قررت بعض العقول اللامعة ان ينبثق “مخها” بفكرة جبارة تكون كعصا سحرية أو “عصا سيدنا موسى” أن الحل في “النفخ في البلغة”،ربما البلغة العملاقة قادرة على احتواء أحلامنا المكسورة، أو ستمنحنا تذكرة سفر نحو مغربٍ آخر، مغرب لا يُناقش فيه الناس أثمنة الخبز والزيت، بل مقاسات البلاغة في البلغة.
سخرية القدر أن تصبح البلغة رمزا لصعود حكومي، بينما يغوص الشعب في حفرة الغلاء والفقر واللايقين.
فهل نُصفي حساباتنا مع الحاضر المؤلم بخياطة أكبر “بلغة” في التاريخ؟ أم نعلّق فشلنا الجماعي على شماعة تقليد تراثي ونقنع أنفسنا بأن “كلشي مزيان” ما دام التراث بخير؟
وفي زاوية أخرى من هذا الوطن المتخم بالتناقضات، شباب في عمر الزهور يعتلون “الموت” كما يعتلي الفارس جواده، لا نحو معركة شرف، بل نحو البحر… حيث لا ضوء في الأفق سوى ومضات حلم هشّ اسمه “أوروبا”.
هناك، في عرض المتوسط، لا شيء يُسمع سوى خفق قلوبهم المتعبة، ولا شيء يُرى سوى زوارق مهترئة تئنّ من ثقل الخيبة، وأمواج تحوّلت إلى مقصلة جماعية.
هربًا من الفقر، من البطالة، من سقف منخفض يحاصر الطموح، ومن وطنٍ أصبح فيه الحلم ترفا، يسلّمون أنفسهم للموج، لأقدار عمياء ولسماسرة الموت الذين يبيعون الأمل المغشوش في قواريب بلاستيكية.
يتركون خلفهم أمهات يُصلين، وآباء يتحسرون، وإعلاما مشغولا ببلاغات البلغة ومراسم تقبيل الإنجازات الكرتونية.
أي مفارقة هاته؟ شباب يُلقون بأنفسهم إلى التهلكة، بينما يحتفل المسؤولون بـ”البلغة العملاقة” كأنها طوق نجاة وطني؟
عن أي وطن نتحدث؟
الوطن الذي يصنع بلاغة البلغة؟
أم ذاك الذي يتنكر لأبنائه في كل معبر، في كل فرصة، في كل قارب؟
كأننا صرنا نعيش داخل لوحة سريالية، حيث الحزن يُستقبل بالصمت، والموت يُدار بالخطابات، والفقر يُغطى بعباءة “الفولكلور”، بينما الحقيقة تطفو مع جثث الشباب فوق ماء البحر، تكتب بخيوط الملح ما لا يقال في المهرجانات ولا يُنقل على شاشات القنوات الرسمية.
نعم، لهم الحق أن يهربوا، ولو نحو الموت، لأنهم لم يجدوا في بلدهم ما يستحق الحياة.
هنيئا لنا إذن..
فقد دخلنا التاريخ من بوابة المقاسات الخارقة..
المصدر : https://www.safinow.com/?p=21935
عذراً التعليقات مغلقة