عن أولئك الذين يفضلون الوحدة على أن يختلطوا بالبشر ومن النقاء ما قتل …

عن أولئك الذين يفضلون الوحدة على أن يختلطوا بالبشر ومن النقاء ما قتل …

-أسفي الأن
اراء بلاقيود
-أسفي الأن21 سبتمبر 2025آخر تحديث : الأحد 21 سبتمبر 2025 - 11:52 صباحًا
عن أولئك الذين يفضلون الوحدة على أن يختلطوا بالبشر ومن النقاء ما قتل …
904cd094 78fa 47a7 bc21 6a618f37607c - عبد الهادي احميمو *** سأكتب عن الذين اختبؤوا بأرواحهم في عالم حلقوا فيه إلى ديار غير ديارهم، سأدافع عن الذين لم يفهم جمالهم الداخلي حق الفهم أحد، فآثروا أن يهاجروا بأنفسهم ليعيشوا وحدهم، صانعين لأنفسهم جزيرة تشبه نقاءهم بعيدا عن كل جزر البشر التي تعج بنفاق يقتل عفويتهم وبراءتهم وأحلامهم، سأنحني احتراما ومثلي لا ينحني..!

هؤلاء يتعطشون لمن يحتويهم، وقبل أن يحتويهم عليه أن يكون صادقا معهم، لا يخيب طهارة قلوبهم أبدا، فمن يهجر مجالس الناس هو إنسان غني برب الناس، وبأمس الحاجة إلى إنسان مثله يتفهم حق التفهم كل ثورة تدور بداخله، فينتصر له، ويحتضن أحلامه بقوة، ويصفق لصوت ضميره حين يصرخ بصمت رافضا كل ضيم وظلم حوله..!

هؤلاء يذكرونني بالغرباء الذين أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنهم سيكونون من أبرز مخرجات آخر الزمان، وعلى شاكلة الغرباء أرى غرباء من نوع آخر، غرباء كانوا وما زالوا طيبين حد “الاستهبال”، صادقين إلى حد يغرقهم في مستنقع يخرج منه الكاذب كما تخرج فيه الشعرة من العجين، فيما هم لصدق صدقهم وطهر طهرهم لا يعرفون كيف يردون كذب من حولهم؛ فتلجمهم الصدمةَ عن كل دفاع، بينما يستميت خصومهم في الهجوم على طهارتهم المستضعفة، لأن شعار العالم المتحضر هذا الزمان يقول “البقاء للأقوى حتى وإن لم يكن أنقى” فالعالم بات لا يحترم إلا الخبيث القوي، حتى وإن تفنن في تزييف الحقائق والمبادئ، المهم أن روايته هي الأكثر إقناعا عند خصومه..

لأجل هذا المنطق الأعوج يكون هناك ضحايا أطهار، يبتعدون ببدنهم عن القوم الظالمين، ويختارون مناطق نائية، بحيث يصعب احتكاكهم بأشباه الإنسانيين، ضحايا على مستوى الأسر والجامعات والمعاهد والمؤسسات وحتى الدول، ضحايا لأناس مازالوا يستعبدون الإنسان وقد وُلد حرا، لا لشيء إلا لأنه لم يجد من يحتوي طهره ويقف بكل شجاعة في وجه من أشهر نفوذه ضده؛ ليقول له “قاتلك الله كيف تستقوي على ولي من أولياء الله؟؟”، وكيف تجهل أنه “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”..

اهجروا كل مجالس الخبث والتصقوا بالله ومجلسه الرباني، تشبثوا أكثر بكل وسائل الحماية الإلهية، وسيذهلكم بعطائه ويفاجئ كل خلقه، تأكدوا.. المسألة مسألة وقت لا أكثر

اهجروا كل مجالس الخبث والتصقوا بالله ومجلسه الرباني، تشبثوا أكثر بكل وسائل الحماية الإلهية، وسيذهلكم بعطائه ويفاجئ كل خلقه، تأكدوا.. المسألة مسألة وقت لا أكثر

أعود إلى الذين لجؤوا إلى الوحدة، وقد صنفهم خصومهم بالغرباء “المجانين” لأنهم على استعداد لأن يخسروا كل شيء من أجل مبادئهم، تراهم على قناعة تامة بأن الحل يكون في طلب اللجوء والفرار إلى الله ابتغاء “الحماية الإلهية” بعد أن عجزت كل قوانين الحماية التي يضعها خلقه في إنصافهم، فيبتهلون إليه -جل في علاه- ويقتربون منه، يشعرون بصعوبة الواقع، لكنهم يستشعرون أيضا عذوبته حين يدركون أنهم في معية خالقهم الذي لن يهضم حقوقهم أبدا..

لن يُذل من قال: “يا رب”، وإن ألحق به الذل مؤقتا بعض خلقه، لن يُعدم من قال صادقا: “أغثني يا رب”، وإن فقد بعض الامتيازات مؤقتا، ولا أدل على ذلك إلا قصة موسى -عليه السلام- يوم نجاه الله من القوم الظالمين، فحال من فضلوا الوحدة يذكرني بقوله تعالى: “ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين”، وعلى شاكلة موسى -عليه السلام- نرى يوسف -عليه السلام- حين تآمر عليه أشقاؤه فنصره الله عليهم، بعد أن عرضه لجملة عسيرة من الاختبارات المكثفة؛ فدخل السجن بعد أن غُيب عن أبيه وألقي في البئر، لكن الله نصره بأن جعله على خزائن الأرض، لأنه حفيظ عليم..

إلى الناس الغريبة في طباعها لشدة نقائها، لا تحزنوا أينما كنتم في هذه البقعة الضيقة والدنيا الفانية، لا تتقهقروا، تذكروا قوله تعالى: “وما رميتَ إذ رميتَ ولكن الله رمى”، استمتعوا معي: “إن الله بالغ أمره” استبشروا ببيعكم الذي بايعتم به الله.. سيمكنكم الله كما مكن أولي العزم من الرسل، كونوا مثلهم، وواصلوا حتى ولو كنتم في نظر خصومكم “مجانين عصركم”..

اهجروا كل مجالس الخبث والتصقوا بالله ومجلسه الرباني، تشبثوا أكثر بكل وسائل الحماية الإلهية، وسيذهلكم بعطائه ويفاجئ كل خلقه، تأكدوا.. المسألة مسألة وقت لا أكثر. أخيرا فإني أقول التحية للأنقياء وإن كانوا أقلة في زمن الأكثرية المنافقة، وأقول أيضا “البقاء للأنقى مقولة يجهلها الحمقى”..!!

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة