
“بحرنا/محيطنا – مسؤوليتنا، فرصتنا”، ليفتح نقاشًا وطنيًا غير تقليدي حول علاقة المغاربة بمحيطهم، من منطلق الشراكة لا التملك، ومن زاوية المسؤولية لا التسويف.
فهل ما زلنا نعي أن المغرب، بسواحله الممتدة على 3500 كلم ومنطقته الاقتصادية الحصرية التي تفوق 1.2 مليون كلم²، ليس فقط بلدًا مطلًا على البحر، بل بلد بحري في العمق والهوية والمصير؟ وهل تدرك السياسات العمومية أن البحر، في زمن الجفاف المتصاعد والموارد الشحيحة، قد يكون خزان الأمل الأخير لإنقاذ الاقتصاد من وهم النمو الريعي؟
الأسبوع الأزرق لا يأتي لالتقاط الصور أو استعراض الشعارات، بل ليضعنا، مؤسسات ومجتمعًا وأفرادًا، أمام أسئلة موجعة: لماذا تنهار مخزوناتنا السمكية؟ كيف أصبح الصيد التقليدي يعيش حالة موت بطيء؟ من يربح ومن يخسر في معادلة الإفراط في الاستغلال البحري؟ ولماذا لا نجد إلى اليوم استراتيجية تربوية تجعل من البحر أفقًا تنويريًا؟
التقارير البيئية تشير إلى حقائق صادمة:
انخفاض صيد الرخويات بنسبة 82%،
انهيار المخزون التناسلي لروبيان البحر الوردي إلى 11% فقط من مستواه الطبيعي،
وفوق ذلك، 90% من الأنواع السمكية المغربية تتعرض للاستغلال المفرط أو مهددة بالانقراض، وفق تقارير منظمة الأغذية والزراعة.
ولا تقل كارثية الممارسات غير القانونية، كاستعمال الشباك الممنوعة، وتجاوز الراحة البيولوجية، واستنزاف المصايد الساحلية. فمن يُراقب؟ ومن يُحاسب؟ وأين البرلمان من سياسة البحر؟ وأين الجامعة المغربية من البحث العلمي البحري؟ بل أين الإعلام من دوره في ترسيخ ثقافة بيئية بحرية؟

???? آسفي… مدينة بحرية تسائل الدولة والمجتمع
في هذا السياق، تكتسي آسفي طابعًا رمزيًا بالغًا. فهذه المدينة، بتاريخها البحري العريق ومينائها الذي يربطها بالمحيط الأطلسي منذ قرون، تحتضن ضمن فعاليات الأسبوع الأزرق 2025، ورشات تربوية لفائدة التلاميذ، ندوات علمية حول مستقبل الصيد التقليدي، وأنشطة بيئية بشاطئ المدينة بتنظيم من المجتمع المدني المحلي، وبشراكة مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري.
آسفي، التي عرفت خلال السنوات الأخيرة تدهورًا بيئيًا حادًا في مصايد الأخطبوط والسردين، تمثل نموذجًا حيًا لإشكالية التناقض بين المؤهلات والاختلالات. فبين ميناء متوسّع، وصيادين مهمّشين، وثروات تُنقل دون أثر على التنمية المحلية، يظهر مدى حاجة المغرب إلى عدالة بحرية تربط بين الاستغلال والاستثمار، وبين البيئة والاقتصاد.
إن إشراك تلاميذ المدارس في ورشات تعريفية حول التوازنات الإيكولوجية البحرية، وتدريب الشباب في معاهد التكوين المهني البحري، يشكلان بداية صحيحة… لكنها تظل قاصرة إن لم تُدمج ضمن رؤية استراتيجية شاملة، تجعل من المدن البحرية مثل آسفي رافعة حقيقية للاقتصاد الأزرق الوطني.
???? البحر مسؤولية جماعية… وليس مجرد “مورد”
فـ”الأسبوع الأزرق”، رغم كونه أسبوعًا، يمكن أن يكون بداية مسار استراتيجي إن نحن قرّرنا فعليًا حماية هذا الرأسمال الطبيعي. لكن ذلك لن يتحقق بدون مساءلة حقيقية:
مساءلة السياسات العمومية المترددة،
مساءلة الفاعلين الصناعيين المستغلين للثروات دون أثر محلي،
مساءلة الإعلام على تقاعسه،
ومسائلة المواطن على لامبالاته.
فالمطلوب اليوم عدالة اجتماعية تُنصف البحّار التقليدي، وعدالة مجالية تُنقذ مدن الساحل من التهميش، وعدالة بيئية تحفظ المحيط للأجيال القادمة.
إن البحر المغربي لم يعد يحتمل الخطابات الموسمية. فإما أن نكون أوفياء لبحرنا، أو نظل غرقى في أمواج الكلام.
الصورة من صفحة الاستاذ Mohama fhamni
المصدر : https://www.safinow.com/?p=21528
عذراً التعليقات مغلقة