منهاج الأحرار لهداية العوام والأغيار ”النسخة الجديدة من التدبير المقدس: المواطن متهم حتى يثبت ولاؤه للحزب

منهاج الأحرار لهداية العوام والأغيار ”النسخة الجديدة من التدبير المقدس: المواطن متهم حتى يثبت ولاؤه للحزب

-أسفي الأن
أخبار وطنية
-أسفي الأن25 يونيو 2025آخر تحديث : الأربعاء 25 يونيو 2025 - 6:49 مساءً
96dba1b3 6ad9 4d41 9336 9391835f8e43 - ✍️المصطفى بعدو *** حين يتحدث أعضاء حزب الأحرار، من كبيرهم حتى صغيرهم، يخال لك أنهم يرددون آيات منزّلة من كتاب محرف، لا يأتينا الباطل فيه من بين أيديهم ولا من خلفهم، فهم قوم اصطفاهم الوطن دون غيرهم، وفوضهم الشعب وهم نيام، وساروا به على جسر من ذهب حتى أوصلوه إلى حافة الإفلاس النفسي والاقتصادي، ثم قالوا لنا: “هذا هو طريق النجاة… تشبتوا بالحبل المقدس ولا تسألوا عن وجهتنا!”.
كأنهم فتحوا الأندلس من جديد، أو حرروا بيت القدس بخطاب “علامات التصديق” و”معارك قانونية” يجهل عامة المغاربة مضمونها، ويفهمها أصحاب المصالح فقط،كبيرهم الذي علّمهم السحر بدأ مشواره في الفلاحة، فحولها إلى يباب أخضر، لا زرع فيه ولا ماء، ثم عُرج به إلى الحكومة، وهناك أتمّ رسالته، لا في محو الأمية، بل في محو الطبقة المتوسطة برمتها، فأصبحت لدينا في هذا الوطن طبقتان: طبقة تعرف فقط كيف تربح، وطبقة تتعلم يوميا كيف تخسر.
كل شيء عندهم مشروع: الغلاء مشروع، الاجتثاث مشروع، حتى الاغتناء الفاحش صار له غطاء أخلاقي يُسمى “الاجتهاد”، وما على الفقير إلا أن يجتهد بدوره ليربح حظه من الهواء، والمؤسف أن الفقير حين يجتهد، لا يجد إلا قنينة غاز فارغة، أو فرصة عمل في “وهم المقاولة الذاتية”.
ويتغنون في تصريحاتهم بإنجازات لا تُرى إلا تحت مجهر حزبي جد متفائل: “2500 وحدة، و77 علامة، ومعارك قانونية رُبحَت!”، وكأن المغاربة كانوا ينتظرون هذه “الغنائم اللغوية” ليضعوا رؤوسهم مطمئنين على وسادة الأمن الغذائي أو التعليم العمومي أو الصحة المنهارة.
ومن فرط الثقة بالنفس، صار الحزب يتعامل مع ذاته كقيمة عليا، لا تحتمل النقد ولا المساءلة، بل تقترب شيئا فشيئا من مقام “المقدس”، ويكاد المواطن حين يسمع خطابهم يقبل التلفاز خشوعًا، فهل نطالب بتدوين أدبيات الحزب في الجريدة الرسمية؟ ولم لا؟ قد يصبح كتابهم “منهاج الأحرار لهداية العوام والأغيار ” ضمن مقررات السنة المقبلة، إلى جانب دروس في الطاعة الحزبية والولاء للعلامة التجارية.
لقد خرج علينا حزبهم الموقر في زيّ “دون كيشوت”، يحارب طواحين الهواء التي لا يراها أحد غيره، ويرفع السيف في وجه أعداء خياليين، بينما الناس تغرق في واقع لا خيال فيه: فواتير خانقة، تعليم ينحدر بسرعة الصوت، مستشفيات كأنها بقايا الحرب، وشباب يهاجرون ولو إلى البحر بلا سفن.
نهار طلع الحزب إلى السلطة، أو بالأحرى نهار طلعناهم ليه، طفا الضو، وها نحن نعيش في ظلام دامس، لا نعرف فيه من الذي يحكم، ومن الذي يربح، ومن الذي يختبئ خلف ستائر الأرقام والبلاغات، ومن الذي لا يزال يحلم بـ”مغرب آخر” لا تحكمه الأحزاب، بل تحكمه العدالة الاجتماعية والعقل السياسي… لا السحر.
وها نحن اليوم، بعد سنوات من “التدبير المقدّس”، ننتظر بشغف أن يمن علينا هذا الحزب الجليل بنسخته الثانية، نسخة مطورة بتقنية الفشل المُعزز بالذكاء الاصطناعي، عسى أن يصبح الوطن منصة تجريبية جديدة لأفكارهم النيّرة التي لا يفهمها سوى الراسخون في فن التسويق السياسي.
من يدري؟ قد يستيقظ المغاربة ذات صباح ليجدوا أن الحزب ذاته قد أمسك بوزارات التعليم، والصحة، والعدل، والرياضة، بل وحتى بالأرصاد الجوية، في محاولة لتدبير الطقس وفق الرؤية الجديدة “المتقدمة”،فتمطر حيث يزرعون، وتجف حيث لا يربحون، وتشرق الشمس فقط على من يحمل بطاقة العضوية.
نحن لا نطلب الكثير،فقط أن تمنحنا الحكومة المقبلة من طرف حزب الأحرار تطبيقا للهاتف الذكي يخبرنا متى نكون مواطنين صالحين، ومتى نحلم فقط دون إزعاج الدولة،وقد يكون من الجيد أيضًا أن يمنع استعمال كلمة “فقر” في الإعلام العمومي، وتستبدل بتعبير أكثر تفاؤلاً مثل: “فرصة لتحسين الذات في بيئة خالية من العاهات”.
وفي انتظار نسخة الأحرار 2.0، نوصي المغاربة بالصبر، ثم الصبر، ثم قراءة كتب وقصص الخيال العلمي، لأن القادم لن يكون أقل من “يوتوبيا حزبية” حيث لا صوت يعلو فوق صوت “العلامة”، ولا حقيقة تقال دون تصريح رسمي.
أما نحن، فسنظل نحلم… نحلم بوطن لا يدار بالبلاغات، بل بالكرامة، وطن لا يدار بالحسابات البنكية، بل بالحساب الإنساني النقي بغير الشوائب السياسية المضمحلة، وطن لا يحتاج إلى حزب ليذكره بأنه يستحق حياة… بل يحتاج فقط إلى ضمير.
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة