
كما هو معهود فالتعليمات الملكية لا تصدر عبثًا ، ولا يمر اختيار الشخصيات والمؤسسات إلا وهو مشحون بالدلالات وفي ملف مصيري كالانتخابات ، لا بد أن يُقرأ كل تفصيل بعيون السياسي كما بمنطق الدولة ، فتكليف عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية بمهمة الإشراف على ورش الانتخابات لا يمكن فصله عن ما آل إليه دور رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش من انكماش وظيفي ففي الوقت الذي كان يُنتظر فيه أن يلعب دور القائد السياسي لاستحقاق يُفترض أن يُعيد تشكيل الخريطة المؤسساتية، جاء القرار من رئيس الدولة ، ليضع رجل السلطة و وزير الداخلية في المقدمة
فمنذ دستور 2011، كانت العادة الجارية أن يتولى رئيس الحكومة قيادة هذا الورش الانتخابي ، ولو بالشراكة مع وزارة الداخلية عبد الإله بنكيران فعل ذلك ، وسعد الدين العثماني كذلك رغم اختلاف السياقين أما اليوم ، فإن التخلي على هذا العرف يُفهم كرسالة سياسية قوية ، تقول الكثير بما لم يُقال ، فعندما يُنتزع من رئيس الحكومة واحدٌ من أبرز أدواره السياسية ، فإننا لا نكون أمام مجرد ترتيبات تقنية ، بل أمام إعادة رسم غير معلنٍ لمستوى الثقة .
وللتوضيح، فإن الإشراف السياسي لرئيس الحكومة على الاستحقاقات التي نُظمت خلال العقد الأخير في ضوء دستور 2011، ولو كان إشرافا سياسيا شكليا، إلا أنه حمل دلالات ورؤية أخذت بعين الاعتبار المكانة السياسية والدستورية الجديدة لرئيس الحكومة، ولو أن الجميع كان يدرك في العمق أن وزارة الداخلية تضطلع بالدور المحوري في تدبير الانتخابات، من خلال الإشراف الإداري واللوجستي والتنظيمي، وضبط الهيكلة الترابية للعمليات الانتخابية، والتنسيق مع السلطات المحلية، والسهر على الأمن الانتخابي، والتفاعل مع الأحزاب، بل وحتى في اقتراح تواريخ الاستحقاقات وتفاصيل توزيع الدوائر
عزيز أخنوش، ومنذ توليه رئاسة الحكومة، فشل في التحول إلى فاعل سياسي ذي جاذبية ومصداقية ، صورته بقيت مرهونة فقط بكون حزبه تصدّر الانتخابات ، أكثر من كونه رئيسًا فعليًا لحكومة لها تصور وخطاب وموقف ، ظل أسلوبه تقنوقراطيًا خاليًا من الكاريزما والوضوح السياسي ، بينما كانت الأزمات تتراكم من غلاء المعيشة ، إلى توالي الاحتجاجات القطاعية (الأساتذة، المحامون، كتاب الضبط، الطلبة الأطباء…)، وصولًا إلى غضب اجتماعي واسع من ساكنة مناطق مثل الحوز وآيت بوݣماز، وكلها مؤشرات على تراجع الثقة في حكومته ، بل وحتى داخل أغلبيته لا يبدو أن الرجل يضبط الإيقاع السياسي ، بل بالكاد يُدير توازنًا هشًا لا يسنده مشروع حقيقي .
وعندما تصل الدولة إلى لحظة انتخابية مفصلية ، فإنها تحتاج إلى فاعل لا يملك فقط شرعية الصناديق ، بل كذلك شرعية الثقة والقدرة على الإقناع والتدبير وهنا قد نفهم لماذا آثر جلالة الملك أن يُكلّف وزارة الداخلية ، بكل ما تمثله من حياد مؤسساتي وخبرة لوجستيكية وانضباط إداري بهذه المهمة الحساسة
نحن هنا أمام قراءة سياسية للتكليف قراءة تقول إن الضمانة في تدبير المرحلة لم تعد في رأس الهرم الحكومي ، بل في قطاع وزاري له خبرة ، و معني مباشرة بالانتخابات
الانتخابات المقبلة ليست مجرّد صناديق تُملأ ، بل هي لحظة اختبار لعلاقة الدولة بمؤسساتها المنتخبة فإذا كانت هذه الانتخابات تفرز من لا يحظى بالثقة الكاملة ، فإننا نخشى أن تكون الرسالة تنبيها كون أننا قد دخلنا دائرة فراغ سياسي خطير مع دخول إزدواجية السلطة بالمال عالم السياسة .
المصدر : https://www.safinow.com/?p=22111
عذراً التعليقات مغلقة