عن كتاب الأستاذ والمؤرّخ سعيد البُهالي: ((أسماء غريب من آسفي، أديبة وناقدة وعارفة بالله))

عن كتاب الأستاذ والمؤرّخ سعيد البُهالي: ((أسماء غريب من آسفي، أديبة وناقدة وعارفة بالله))

اصداراتالشأن المحلي
18 يونيو 2020آخر تحديث : الخميس 18 يونيو 2020 - 2:56 مساءً

FB IMG 1592480962792 - بقلم   الدكتورة اسماء غريب عن كتاب الأستاذ والمؤرّخ سعيد البُهالي: ((أسماء غريب من آسفي، أديبة وناقدة وعارفة بالله))

أيكتُبُ وليّ عن وليّ؟ وهل يُعَرِّفُ تقيٌّ بتقيّ؟ ليحدث هذا لا بدّ أن يكون الأوّلُ قد شربَ من الكأس الدهاق، ويكون الثّاني قد عرف معنى النّبيذ المعتّق تارة بالكافور وتارة بالزّنجبيل، وسعيدٌ وأنا، كلانا من الحانة ذاتها، حانة أهل الله. حينما ظهرَ في سماء حرفي منذ أزيد من عامٍ، عرفتهُ بلقبه العائليّ، “البُهاليّ”، وهو اللّقبُ الذي قرأته بمفاتيح أهل الله. وعرفتُ أنّني أمام روح متجرّدة، لا شأن لها بمتاع الدّنيا ولا بنسائها وأموالها، فاطمئنّ فكري، وقلتُ في نفسي: الآن ظهر من أرض الأولياء سيّد يرى حرفي لا كما رآه أو قرأه الآخرون إلى اليوم، لأنّ عينه الثاقبة عرّفتني ابنةً للنّور، وظهر لها بها ما لم يظهر للغير، وحينما لقّبني في كتابه الّذي ألّفه عن تجربتي الإبداعيّة بـ (العارفة بالله)، بكيتُ، ليس فرحاً، وإنّما حزناً، لأنّني أعرفُ جيّداً، أنّ من عُرِّفَ من أهل الله امتُحِنَ بفضول النّاسِ وسؤالهم المتواصل عنه: من تراها تكون هذه التي وُسمت بيننا في عصرنا الحالي بالعارفة وهي مازالت على قيد الحياة؟ أين كانت؟ ولماذا لا تظهر؟ ولماذا لم نعرفها من قبل؟ ولماذا لا يعرفها مشاهير أهل التصوّف المغاربة أنفسُهم، بعد أن ذاع صيتها في المشرق والغرب؟ ولا أجد عزاء لي أمام كثرة هذه الأسئلة التي بتُّ أسمعها بقلبي بشكل أكثر وضوحاً بعد الإعلان عن الكتاب، سوى ما قاله البُهالي نفسه: ((حاولت أسماء غريب بناء نموذجها العرفانيّ الخاص بها بعيدا عن بعض مفاهيم وقضايا التصوف التقليدي، لكن ذلك لا يعني أبدا القطيعة المعرفية معه، بل هي محاولة منها لتجاوز الخلل الكامن في الممارسة الموغلة في الخرافة والبدعة والتقليدانية، ونقله، على الأقل في ممارستها الشخصية، إلى مستوى أكثر إشراقا وانفتاحا، ونقد التصوف التقليدي يتم عبر مساءلته وتجديد (بدل تجميد) الرؤية إليه، بمعنى حمايته عبر استنبات السؤال فيه، لذلك يمكن القول أن علاقتها بالتصوف بالإضافة إلى ارتكازها على حيوية التجربة وواقعيتها، فهي مرتكزة على المساءلة والانفصال بنفس درجة المراكمة والاتصال، فالمساءلة لا تعني الانفصال، والمراكمة لا تعفي من السؤال، وكأنها تقوم بعمليتين في نفس الوقت : وصل وفصل، من أجل إعادة بنائه وفق نموذج مشرق ومشرّف…))، لا أحد غيره من المغاربة فحَص حرفي للعمق، وعرّف بنهجي المستقلّ، وبتجربتي اللّامنتمية لأيّ مذهب أو فرقة أو حزب – بالضّبط كما كان جدّاي السيّدان أحمد المقاومُ والعارف بالله المرّاكشيّ، ومحمّد البنّاء السملاليّ الأسفيّ -، وكيف لا وهو “البُهالي”، الّذي يُعرّفُ نفسَه بـ”العبد الفقير”، لأنّه فعلاً كذلك، صاحب جذبة إلهيّة تحِرقُ بالنّيران والأنوار العرفانيّة. لأجل هذا وأكثر، سعدتُ بكتابه حينما ظهر بين يديْه وهو ممّن يهتمُّ بالتّأريخ لمدينة آسفي وأعلامها وقضاياها، وفق رؤية ” التأريخ المحلّي ” أو المونوغرافيا “، كما يقول الأستاذ سعيد نفسه في مقدّمة كتابه: ((ومعلوم أن المونوغرافيات، كما حددتها مدرسة الحوليات، تقوم على أساس توسيع مفهوم الوثيقة، فيصبح ” كل شيء تاريخاً، وكل شيء وثيقة “، وبالتالي تصبح لدينا السيدة أسماء غريب، بكتاباتها المتنوعة والغزيرة، وثيقة حيّة وغنيّة، وجب اعتمادها للكتابة والتحليل والتوثيق، أو كما قال لوسيان فيبر (1878/1956) رائد مدرسة الحوليات في التاريخ :” لا شك أن التاريخ يكتب اعتمادا على كل ما يستطيع الباحث، بمهارته وحذقه، أن يستنبطه من أي مصدر، من المفردات والرموز، ومن المناظر الطبيعية ومن تركيب الأجر، من أشكال المزارع ومن الأعشاب الطفيلية، من خسوفات القمر ومن قرون الثيران، من فحوص العالم البيولوجي للأحجار، ومن تحليلات الكيميائي للسيوف الحديدية “، وبالتالي فكتابة تاريخ مدينة آسفي والتعرف على أعلامها ومعالمها وتاريخها وتراثها الفكري لا ينطلق دائما من البحث في الماضي، بل أيضا من الالتفات للحاضر بأشخاصه ووقائعه ونصوصه، أو بعبارة أخرى، فالتأريخ للمدينة وإبراز فعاليتها ودينامية أبنائها وإسهاماتهم في شتى دروب الحياة، لا ينطلق دائما من استنبات الأسئلة في حقول الماضي البعيد، بل أيضا من معاينة الحاضر الذي سيصبح يوما ما من الماضي / التاريخ، وبالتالي ” تكون وظيفة التاريخ قد انتقلت من مجرد نقل معرفة موجودة بالقوة إلى معرفة موجودة بالفعل”، والكتاب الذي بين أيدينا لا يسعى، أو يزعم لنفسه، أنه كتاب تاريخي يقدم إشكالية في التاريخ أو يجيب عليها وفق قراءة معينة، ولا هو كتاب سيرة ذاتية ترصد وتتتبّع حياة السيدة أسماء غريب في الوطن أو في المهجر، وإنما هو نبضات وومضات حول هذه الشخصية الأدبية الأسفية، التي جمعت بين فن البوح الشعري، وجمالية النقد الأدبي، وروعة الحكي القصصي، وحلاوة السرد الروائي، وطلاوة الفن التشكيلي …هو مجرد تأمل في جمال الحرف وبهاء الإبداع الكامن في نصوصها، أتجرد خلاله من جبّة العاشق للتاريخ المحلي، لأدخل محراب العاشق لجمال الحرف المجرد، وأهيم في مقامات التجلي والبهاء، لعل أهل العشق وأصحاب الحرف يقبلوني في ركبهم فأفوز بصحبتهم، ولكي لا يسري علي التأسف فأقول نادما :” يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ” سورة النساء آية 73
ما أقدمه في هذا الكتاب لا أزعم لنفسي الإحاطة بأدب وإبداع السيدة أسماء غريب، وإنما أحاول الوقوف عند عتبة باب حرفها أطرقه وأتملى روعة الباب، دون أن أجرؤ على الدخول لدهشتي وقلة زادي وغربتي عن عالم الحرف الوقّاد الأخّاذ، وكأنها نصوص تنادي بلسان الحال :” اترك نفسك وتعال “،وتخاطب كياني ووجداني: ” طهّر قلبك لتراني”)).
لقد رأيتُكَ أيّها البُهاليُّ جيّداً، رأيتُكَ وقباب أولياء المغرب الصّالحين وقدّيسيه المُجتبين تطوف حول رأسكَ، ورأيتُ ماء الورد منسكباً بين يديْكَ، به تكتبُ حرفكَ، فيفوح عطره في الفضاء ويبلغ ببركة الرّحمن عنان السّماء. أسأل الله أن يحفظك بعينه التي لا تنام، ويبارك لك في ذريّتك وأسرتكَ، وإنّي كلّي شكر وامتنان للسيّدة الفاضلة المعطاءة الكريمة سميرة جودار الّتي لفتت انتباهك فاقترحت اسمي عليكَ، ولكلّ من مدّكَ بوثيقة أو كتاب أو مرجع لتستند عليه في نسج مادّة مؤلَّفك السّامي هذا. والحمد لله الّذي بنعمته تتمُّ الصّالحات، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطّاهرين الأبرار.
د. أسماء غريب.
16/06/2020

رابط مختصر

اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات